حرية المستخدم في الاختيار

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تكملة للمقال السابق الذي تناول كيفية اختيار التوزيعة المناسبة من لينكس حسب حاجيات المستخدم، سأحاول هذه المرة إبراز أهم ميزة من ميزات لينكس التي يتفوق فيها على غيره من الأنظمة المغلوقة. عكس ما قد يتبادر لذهن البعض، الأمر لا يتعلق بالأمن أو السرعة أو الثبات و لكن ما يعنينا هنا يتوافق مع وقع الأحداث في الشارع العربي. نعم إنها الحرية، حرية المستخدم في اختيار حاسوبه و حريته في اختيار البرمجيات التي تعمل عليه بدءا من نظام التشغيل.
دعونا نبرز هذه الميزة بمناقشة مسألة راهنة أيضا تتمثل في تراجع شعبية توزيعة أوبنتو بشكل نسبي كما تدل عليه الكثير من المؤشرات، منها مؤشر موقع ديستروواتش الذي يعنى بالتعريف بالتوزيعات و منها تذمر الكثير من مستخدمي أوبنتو على المدونات و المنتديات التقنية بسبب اعتمادها الواجهة الرسومية الجديدة يونيتي. هذه الواجهة، مثلها مثل جنوم 3 و واجهة مترو التي اعتمدها ويندوز 8، صُمّمت لتسهيل استخدام تقنية اللمس الموجودة في الهواتف الذكية و الحواسيب اللوحية و هي من رأيي لا تُناسب كثيرا الحواسيب المكتبية التقليدية حيثُ تقنية النوافذ و الفأرة و لوح المفاتيح. أظن أن حواسيب أغلب المتذمرين من هذا الصنف الثاني و يونتي كسرت عاداتهم في استخدام الحاسوب و التي تشكلت عبر الزمن و بفعل التكرار حتى صارت حركات شبه لا شعورية تُنفذ بسرعة و من دون تفكير، سواء لتشغيل برنامج أو تغيير حجم أو وضع نافذة أو تحريك أشياء على سطح المكتب، إلخ.

يبدو إذا أن التاريخ يعيد نفسه عندما قامت كانونيكول راعية أبونتو و كذلك فريق تطوير جنوم بتكرار خطأ فريق كايدي حين إطلاقهم الإصدار الرابع من طاقمهم لسطح المكتب. هذا الإصدار كسر أيضا عادات المستخدمين بحذف خدمات مستعملة كثيرا (مثلا وضع ملفات و روابط على سطح المكتب) و إدخال أشياء جديدة لم تنضج بعد في نفس الوقت. هذا التغيير تسبب في تذمر عدد معتبر من المستخدمين الذين غيروا طاقم سطح المكتب إلى جنوم و غيره و أيضا تسبب في تراجع شعبية التوزيعات التي تعتمد كادي كسطح مكتب رئيسي مثل توزيعة سوزي.

على كل حال بصرف النظر عن سبب تراجع شعبية توزيعة أو طاقم برمجيات ما، ما تبرزه هذه الأمثلة هو: أولا وجود البديل في البرمجيات المفتوحة أغلب الأحيان و ثانيا حرية المستخدم في التنقل بين هذه البدائل و اختيار ما يناسبه بسهولة و من غير تكلفة أو أي عوائق أخرى. عموما ما تفقده توزيعة ما من مستخدمين ستكسبه توزيعة أخرى ففي هذا العالم أيضا مصائب قوم عند قوم فوائد.

ميزة الحرية تتضح أكثر إذا تساءلنا عن خيارات المستخدم عند حدوث نفس التغييرات في عالم المنصات المغلوقة كالويندوز أو الماك. في الغالب يكون هذا المستخدم قد استثمر مبلغا من المال في اقتناء البرامج و إذا صدرت لها تحديثات فهو مضطر لتثبيتها لأسباب أمنية و إن لم تعجبه هذه التحديثات ﻷي سبب فهو مضطر للبقاء عليها إلى حين و إلا فهو مجبر على البحث على بديل قد لا يكون متوفرا و إن وجده فهذا يعني خسارة استثماره الأول و الدفع مجددا لاقتناء رخصة البديل.

هناك مشكل آخر في المنصات المغلوقة لا يقل أهمية عن الأول يكمن في مسألة توافق البرمجيات مع بعضها البعض. أغلب البرمجيات الحديثة تحتاج إلى التواصل في ما بينها لأنها موزعة على الشبكة أو لأنها تنتمي إلى نفس الطاقم أين يمكن تبادل البيانات بين برنامج و آخر. لكي يتحقق هذا التواصل لابد من توافق البروتكولات أو صيغ الملفات المستخدمة في هذه البرامج و هذا صعب المنال إذا كانت هذه الأمور مغلوقة. في هذه الحالة تكون هناك شركة مطورة واحدة تسيطر على المنصة و تفرض شروطها و أسعارها على المستخدمين في ما يسمى بسجن البائع "vendor lock-in". أما في حالة البرمجيات الحرة فالبروتوكولات و صيغ الملفات المستعملة تكون مفتوحة و يمكن لأي جهة استغلالها في تطوير بديل حر يلبي حاجيات المستخدم.

تعليقات

  1. شكرا لك
    مقال رائع.
    وفعلا بصرف النظر عن سبب تراجع شعبية توزيعة أو طاقم برمجيات ما, علي ان لا انسى هذه الفكرة : في عالم البرمجيات الحرة والمصادر المفتوحة تذكر انك حر في الاختيار فهناك تنوع في المنتجات ..., وان كنت خبيرا فتذكر انك تستطيع ان تغير ما تريده وتعدل على الواجهة بل وتستطيع تحطيمها :)
    والله اعلم

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كيف تبدأ شركة ناشئة؟

كيف تحصل على أفكار لشركة ناشئة؟

دليل الطالب للشركات الناشئة