أفكار للشركات الناشئة

أفكار للشركات الناشئة
بول غراهام، أكتوبر 2005
http://www.paulgraham.com/ideas.html

ترجمة جلال شفرور، مارس 2020

(هذا المقال مستمد من حديث في مدرسة الشركات الناشئة 2005).

كيف يمكنك الحصول على أفكار جيدة للشركات الناشئة؟ ربما هذا هو السؤال الأول الذي يسألني الناس عنه.

أود أن أجيب بطرح سؤال آخر: لماذا يعتقد الناس أنه من الصعب التوصل إلى أفكار للشركات الناشئة؟

قد يبدو هذا السؤال غبيًا. لماذا يعتقدون أنه أمر صعب؟ إذا كان الناس لا يستطيعون القيام بذلك، فالأمر صعب على الأقل بالنسبة لهم. أليس كذلك؟
حسنا، ربما لا. الناس لا يقولون عادة أنهم لا يستطيعون التفكير، ولكن يقولون أنه ليس لديهم أفكارًا. هناك فرق بين الأمرين. قد يكون سبب عدم حصولهم على الأفكار أنهم لم يحاولوا توليدها.

أعتقد أن هذا هو الحال في كثير من الأحيان. أعتقد أن الناس يظنون أن الخروج بأفكار للشركات الناشئة أمر صعب للغاية - أنه يجب أن يكون صعبًا جدًا - ولذا فهم لا يحاولون القيام بذلك. إنهم يفترضون أن الأفكار تُشبه المعجزات: إما أنها تبرز في رأسك أو لا.

لديّ أيضًا نظرية حول سبب هذا الظن لدى الناس. إنهم يُعطون الأفكار أكثر من قيمتها. إنهم يعتقدون أن خلق شركة ناشئة هو مجرد مسألة تنفيذ فكرة أولية رائعة. وبما أن الشركة الناشئة الناجحة تسوى ملايين الدولارات، فإن الفكرة الجيدة هي فكرة بمليون دولار.

إذا كان إيجاد فكرة لشركة ناشئة يساوي البحث عن فكرة بمليون دولار، فسيبدو الأمر صعبًا بالطبع. صعوبةً شديدةً تُثني عن المحاولة. غرائزنا تخبرنا أن الأشياء ذات القيمة الكبيرة لن تكون مطروحة بسهولة بحيث يعثر عليها أي شخص.

في الواقع، ليست أفكار الشركات الناشئة أفكارًا بملايين الدولارات. وهذه تجربة يمكنك محاولتها لإثبات ذلك: فقط حاول بيع فكرة واحدة. لا شيء يتطور بشكل أسرع من الأسواق. و بما أنه لا يوجد سوق لأفكار الشركات الناشئة فهذا يُشير إلى عدم وجود طلب عليها. مما يعني، بالمفهوم الضيق للكلمة، أنّ أفكار الشركات الناشئة ليست ذات قيمة.

الأسئلة

في الواقع معظم الشركات الناشئة ينتهي بها المطاف إلى شيء مُغيار لفكرتها الأولية. سيكون أقرب إلى الحقيقة أن نقول أن القيمة الرئيسية لفكرتك الأولية هي أنّه، أثناء اكتشاف خطئها، سوف تتوصل إلى فكرتك الحقيقية.

الفكرة الأولية هي مجرد نقطة انطلاق. ليست مخططًا بل سؤالًا. قد يكون من المُفيد التعبير عنها بهذه الطريقة. بدلاً من قول أن فكرتك هي إنشاء جدول بيانات تعاوني يستند إلى الويب، قل: هل يمكن لأحد إنشاء جدول بيانات تعاوني على الويب؟ بضعة تعديلات نحوية تُحوّل فكرة غير مكتملة إلى سؤال واعد لاستكشافه.

هناك فرق حقيقي، لأن صيغة التوكيد تُثير الاعتراضات بطريقة لا يُثيرها السؤال. إذا قلت: سوف أقوم بإنشاء جدول بيانات على شبكة الإنترنت، فعلى الفور سيُردُّ النُقاد – وأخطرهم موجود في رأسك - أنك تنافس مايكروسوفت، ولن تستطيع تقديم الواجهة الرسومية التي يتوقعها الناس، وأن المستخدمين لن يرغبوا في وضع بياناتهم على خوادمك، وما إلى ذلك.

في حين أنّ السؤال لا يبدو صعبًا للغاية. مثلًا: دعونا نحاول إنشاء جدول بيانات على الويب ونرى إلى أي مدى نصل؟ ويعلم الجميع أنه إذا جربت ذلك، فستتمكن من عمل شيء مفيد. ربما ما تنتهى إليه لن يكون جدول بيانات. ربما سيكون أداة تعاون جديدة تشبه جدول البيانات والتي لم يكن لها اسم حتى الآن. لن تفكر في شيء من هذا القبيل إلا من خلال السير نحوه.

إن معالجة فكرة الشركة الناشئة كسؤال يُغيّر الهدف الذي تبحث عنه. إذا كانت الفكرة مخططًا، فيجب أن تكون صحيحة. أما إذا كانت سؤالًا، فلا بأس أن يكون خطأً، طالما أنه خاطئ بطريقة تؤدي إلى مزيد من الأفكار.

إذا كانت الفكرة مجرد حلٍ جزئيٍ فهي خاطئة لكن بطريقة قيمة. عندما يعمل شخص ما على مشكلة تبدو كبيرةً جدًا، أسألُه دائمًا: هل هناك طريقة ما لعزل جزء من المشكلة، ثم التوسع التدريجي انطلاقًا منه؟ سيعمل هذا بشكل عام ما لم تكن محصوراً في حد أقصى محلي، مثل الذكاء الاصطناعي ولغة سي في الثمانينيات.

عكس الريح

لقد قمنا حتى الآن بتحويل المشكلة من البحث عن فكرة بمليون دولار إلى التفكير في سؤال خاطئ. هذا لا يبدو صعبًا للغاية، أليس كذلك؟

لتوليد مثل هذه الأسئلة، تحتاج إلى شيئين: معرفة التقنيات الجديدة الواعدة، والحصول على الأصدقاء المناسبين. التقنيات الحديثة هي المكونات التي تُصنع منها أفكار الشركات الناشئة، والمُحادثات مع الأصدقاء هي المطبخ الذي يتم طهيها فيه.

الجامعات لديها كلا الشرطين، وهذا هو سبب خروج الكثير من الشركات الناشئة منها. إنها مليئة بالتكنولوجيات الجديدة، لأنها تحاول إنتاج البحوث، والبحوث تُركز على الأشياء الجديدة. أيضًا، الجامعات ممتلئة بالنوع الصحيح من الأشخاص الذين تحصل معهم على أفكار: الطلاب الآخرون، الذين لن يكونوا أذكياء فقط ولكنهم يتمتعون كذلك بالمرونة تجاه الخطأ.

نقيض هذا هو وظيفة في شركة كبيرة ذات أجر جيد ولكنها مُملة. الشركات الكبيرة متحيزة ضد التقنيات الجديدة، والأشخاص الذين تقابلهم هناك سيكونون مخطئين أيضًا.

في مقال كتبته لطلاب المدارس الثانوية، قلت: إن القاعدة الجيدة هي السير عكس الريح. أي العمل على أشياء تزيد خياراتك المستقبلية إلى الحد الأقصى. ينطبق هذا المبدأ على البالغين أيضًا، حتى لو تعين تعديله ليصبح: امش عكس الريح لأطول فترة ممكنة، ثم استفد من الطاقة الكامنة التي تراكمت لديك عندما تحتاج أن تنفق على الأطفال.

لا أعتقد أن الناس يدركون الأمر التالي بوعي: أحد الأسباب ارتفاع أجور الوظائف التي تمشي في اتجاه الريح، مثل "مخض" جافا في بنك، هي لأنها في اتجاه الريح. سعر السوق لهذا النوع من العمل أعلى لأنه يوفر لك خيارات أقل للمستقبل. إن الوظيفة التي تتيح لك العمل على أشياء جديدة مثيرة تميل إلى أن تدفع أقل، لأن جزءًا من التعويض يكون في شكل مهارات جديدة ستتعلّمها.

المدرسة العليا توجد في النهاية الأخرى للطيف مُقابل وظيفة برمجة في شركة كبيرة: الأجر مُنخفض ولكنك تقضي معظم وقتك في العمل على أشياء جديدة. وبالطبع، يطلق عليها "المدرسة"، وهذا ما يجعل الأمر واضحًا للجميع، رغم أن كل الوظائف هي في الواقع مدارس بنسب مُعينة.

البيئة المناسبة للحصول على أفكار للشركات الناشئة لا تحتاج إلى أن تكون جامعة في حد ذاتها. يجب أن تكون مكانا نسبة كبيرة منه تشبه المدرسة.

الحاجة إلى التعرض للتكنولوجيا الجديدة أمر واضح، ولكن لماذا تحتاج إلى أشخاص آخرين؟ ألا يمكنك العثور على الأفكار الجديدة بنفسك؟ الجواب التجريبي هو: لا. حتى آينشتاين كان بحاجة إلى الناس كي تنقدح فيه ذهنه الأفكار. الأفكار تتطور أثناء شرحها للشخص المناسب. أنت بحاجة لهذه المقاومة، تمامًا كما يحتاج النحات أن يُحس بمقاومة الخشب.

هذا هو أحد الأسباب التي تجعل واي كومبنايتور Y Combinator تعتمد قاعدة ضد الاستثمار في الشركات الناشئة التي لديها مؤسس واحد فقط. عمليا كل شركة ناجحة لديها على الأقل اثنين. وبما أن مؤسسي الشركات الناشئة يعملون تحت ضغط كبير، فمن الأهمية بمكان أن يكونوا أصدقاء.

وهذا قد يساعد في توضيح سبب وجود عدد قليل جدًا من النساء مؤسسات لشركات ناشئة. لم أكن أدرك ذلك حتى بدأت في كتابته. قرأت على شبكة الإنترنت (لذلك يجب أن يكون صحيحًا) أن 1.7% فقط من الشركات الناشئة المدعومة من الفي سي VC أسّستها نساء. النسبة المئوية للهاكرز الإناث صغيرة ولكن ليس لهذه الدرجة. فلماذا هذا الاختلاف؟

يظهر تفسير محتمل عندما تدرك أن الشركات الناشئة الناجحة تميل إلى امتلاك العديد من المؤسسين الذين كانوا أصدقاءً بالفعل. من المحتمل أن يكون أفضل الأصدقاء من نفس الجنس، وإذا كانت إحدى الفئات أقلية في بعض المجموعات، فسيكون عنصران من هاته الفئة أقلية مربعة. [1]

الخربشة

ما تقوم به هذه المجموعات من المؤسسين هو أكثر تعقيدًا من مجرد الجلوس ومحاولة تخمين الأفكار. أظن أن الشكل الأكثر إنتاجية هو الساندويتش من نوع مجموعة-فرد-مجموعة. تتحدثون معًا عن مشكل صعب، ربما دون الوصول إلى نتيجة. ثم، في الصباح التالي، تخطر لأحدكم فكرة في الحمام حول الحل. فيركض بشغف ليقولها للآخرين، الذين يعملون معًا على تطوير تفاصيلها.

ماذا يحدث في هذا الحمام؟ يبدو لي أن الأفكار تبرز في الرأس فجأة. ولكن هل يمكن أن نقول أكثر من ذلك؟

الاستحمام هو مثل شكل من أشكال التأمل. أنت في حالة تأهب، ولكن لا يوجد شيء يصرف انتباهك. في مثل هذه الحالة، حيث يكون ذهنك حرا في التجول، يصطدم بأفكار جديدة.

ماذا يحدث عندما يتجول عقلك؟ قد يكون مثل الخربشة. معظم الناس لديهم طرق مميزة للخربشة. هذه العادة لا شعورية، ولكنها ليست عشوائية: لقد وجدت أن خربشاتي تغيرت بعد أن بدأت دراسة الرسم. بدأت أصنع نوع الحركات التي كنت لأفعلها لو كنت أرسم أشياء من الحياة. كانت ذرات رسم، ولكن مرتبة عشوائيا. [2]

ربما ترك عقلك يهيم هو مثل الخربشة بالأفكار. لديك بعض الإيماءات العقلية التي تعلمتها في عملك، وعندما لا تنتبه، تستمر في عمل هذه الإيماءات نفسها، ولكن بشكل عشوائي إلى حد ما. ما يقع، هو استدعاء نفس الدوال على وسائط عشوائية. هذا هو معنى الاستعارة: تطبيق دالة على وسيط من النوع الخطأ.

من الموافقات، أنني بينما كنت أكتب هذا، سرح عقلي: هل من المفيد إضافة الاستعارات إلى لغة برمجة؟ لا أعرف؛ ليس لدي وقت للتفكير في هذا. لكن هذا التوافق مثال على ما أعنيه بعادات العقل. أقضي الكثير من الوقت في التفكير في تصميم اللغة، وعادة ما أسأل دائمًا "سيكون الشيء الفلاني مفيدًا في لغة برمجة".

إذا كانت الأفكار تظهر كخربشات، فهذا يفسر سبب اضطرارك للعمل في مجال ما لبعض الوقت قبل أن يكون لديك أفكار جديدة فيه. ليس فقط أنه لا يمكنك الحكم على الأفكار حتى تكون خبيرًا في هذا المجال. فالأفكار لن تولد، لأنه لن يكون لديك أي عادات ذهنية لاستدعاءها.

بالطبع عادات العقل التي تستدعيها في مجال ما لا يجب بالضرورة أن تُستمد من العمل في هذا المجال. في الواقع، غالبا ما تكون أفضل إذا كانت من مجال آخر. أنت لا تبحث فقط عن أفكار جيدة، ولكن عن أفكار جديدة جيدة، ولديك فرصة أفضل لتوليد تلك الأفكار إذا قمت بدمج الأشياء من الحقول البعيدة. واحدة من عاداتنا الذهنية كهاكرز هي أن نسأل، هل يمكن لشخص فتح مصدر شيء ما؟ على سبيل المثال، ماذا لو أنشأت نظام تشغيل مفتوح المصدر؟ فكرة جيدة، لكنها ليست جديدة. بينما إذا سألت، هل يمكن أن تفتح مصدر لعبة؟ ربما ستكون بصدد شيء ما.

هل بعض المجالات أفضل من غيرها كمصادر لعادات العقل؟ أظن أن الحقول الأصعب قد تكون مصادر أفضل، لأن مهاجمة المشكلات الصعبة تحتاج إلى مذيبات قوية. أجد أن الرياضيات مصدر جيد للاستعارات - جيد بما فيه الكفاية بحيث تستحق الدراسة فقط لهذا الغرض. تعد الحقول ذات الصلة أيضًا مصادر جيدة، خاصةً عندما تكون مرتبطة بطرق غير متوقعة. يعلم الجميع أن علوم الكمبيوتر والهندسة الكهربائية مرتبطتان، ولكن لأن الجميع يعرفون ذلك على وجه التحديد، فإن استيراد الأفكار من أحدهما إلى الآخر لا يحقق أرباحًا كبيرة. إنها مثل استيراد شيء من ولاية ويسكونسن إلى ميشيغان. بينما (أدعي) أن البرمجة والرسم مرتبطتان أيضًا، بمعنى أن الهاكرز والرسامين كلاهما صانعون، ومصدر الأفكار الجديدة هذا هو منطقة عذراء عملياً.

مشاكل

من الناحية النظرية، يمكنك دمج الأفكار بشكل عشوائي لترى على ما تحصل. ماذا لو بنيت موقع التعارف ند للند؟ هل سيكون من المفيد الحصول على كتاب تلقائي؟ هل يمكن أن تُحوّل النظريات إلى سلعة؟ عندما تقوم بتجميع الأفكار بشكل عشوائي من هذا القبيل، فقد لا تكون غبية فقط، ولكنها غير صحيحة بشكل واضح. ماذا يعني جعل النظريات سلعة؟ فهمتني. لم أفكر في هذه الفكرة، فقط اسمها.

قد تتوصل إلى شيء مفيد بهذه الطريقة، لكن لم أصل إلى شيء هكذا مطلقًا. إنه مثل معرفة أن تمثالًا رائعًا مخبأ داخل كتلة من الرخام، وكل ما عليك فعله هو إزالة الرخام الذي ليس جزءًا منه. إنها فكرة مشجعة، لأنها تُذكرك بوجود إجابة، ولكنها ليست مفيدة عمليًا نظرًا لأن مساحة البحث كبيرة جدًا.

أجد أنه للحصول على أفكار جيدة أحتاج إلى أن أعمل على حل مشكلة ما. لا يمكنك أن تبدأ مع العشوائية. عليك أن تبدأ بمشكلة، ثم دع عقلك يتجول بعيدًا بما يكفي لتشكيل الأفكار الجديدة.

بطريقة ما، رؤية المشاكل أصعب من رؤية حلولها. معظم الناس يفضلون إنكار المشاكل. وواضح لماذا: المشاكل مزعجة. إنها مشاكل! تخيل لو أن الناس في عام 1700 شاهدوا حياتهم بالطريقة التي نراها نحن. إنها لا تطاق. هذا الإنكار هو قوة قوية، حتى عندما يتم تقديم الحلول الممكنة، يفضل الناس غالبًا الاعتقاد بأنها لن تعمل.

رأيت هذه الظاهرة عندما عملت على مصفاة البريد المُزعج [سبام spam]. في عام 2002، فضّل معظم الناس تجاهل الرسائل غير المرغوب فيها. ومعظم الذين لم يتجاهلوها ظنّوا آنذاك أنّ المصفاة التي تعتمد على الحدس هي أفضل ما يمكنك القيام به.

لقد وجدت أن البريد المُزعج لا يطاق، وشعرت أنه يجب أن يكون ممكنًا التعرف عليه إحصائيًا. واتضح أن هذا هو كل ما تحتاجه لحل المشكلة. كانت الخوارزمية التي استخدمتها بسيطة للغاية. لو حاول أي شخص حل المشكلة حقًا لنجح. لكن لا أحد حاول حقًا. [3]

اسمحوا لي أن أكرر هذه الوصفة: العثور على مشكلة لا تطاق والشعور بأنه يجب أن يكون حلها ممكنًا. هذه هي وصفة بسيطة كما تبدو لكثير من أفكار الشركات الناشئة.

ثروة

حتى الآن معظم ما قلته ينطبق على الأفكار بشكل عام. ما الذي يُميز أفكار الشركات الناشئة؟ إنها أفكار للشركات، ويتعين على الشركات جني الأموال. والطريقة لكسب المال هي صنع شيء يريده الناس.

الثروة هي ما يريده الناس. لا أقصد ذلك كنوع من التصريحات الفلسفية؛ بل أعني تكرار المعنى كي يرسخ.

إذًا فإن فكرة شركة ناشئة هي فكرة شيء يريده الناس. لن تكون أي فكرة جيدة شيئًا يريده الناس؟ لسوء الحظ لا. أعتقد أن النظريات الجديدة هي شيء جيد يجب إنشاؤه، ولكن لا يوجد طلب كبير عليها. بينما يبدو أن هناك طلب كبير على مجلات القيل والقال والمشاهير. يمكن تعريف الثروة بطريقة ديمقراطية. الأفكار الجيدة والأفكار القيمة ليست هي نفس الشيء؛ الفرق هو الأذواق الفردية.

لكن الأفكار القيمة قريبة جدًا من الأفكار الجيدة، لا سيما في مجال التكنولوجيا. أعتقد أنها قريبة جدًا بحيث يمكنك النجاح بالعمل كما لو كان الهدف هو اكتشاف أفكار جيدة، طالما أنك تتوقف في المرحلة النهائية وتسأل: هل يدفع الناس بالفعل مقابل هذه؟ هناك أفكار قليلة فقط من المحتمل أن تصل إلى هذا الحد ثم تسقط؛ قد تكون الآلات الحاسبة التي تعمل بالترميز اللاحق (أو الترميز البولندي المعكوس) مثالًا على هذا.

هناك طريقة لصنع شيء يريده الناس وهي أن ننظر إلى الأشياء التي يستخدمونها الآن وهي فظيعة. مواقع التعارف هي مثال صارخ. لديهم الملايين من المستخدمين، لذلك يجب أن يكونوا وعدوهم بشيء يريده الناس. لكن حتى الآن هم يعملون بشكل فظيع. فقط أسأل أي شخص يستخدمها. يبدو الأمر كما لو أنهم اختاروا النهج الأسوأ، لكنهم توقفوا بعد المرحلة الأولى وسلموا الشيء إلى المُسوّقين.

بطبيعة الحال، فإن الفظاعة الأكثر وضوحا في حياة مستخدم الكمبيوتر العادي هي ويندوز Windows نفسه. لكن هذه حالة خاصة: لا يمكنك هزيمة الاحتكار بهجوم أمامي. يمكن الإطاحة بنظام ويندوز، ولكن ليس بصنع نظام تشغيل أفضل لسطح المكتب. طريقة القضاء عليه هي إعادة تعريف المشكل باعتباره أشمل من الحالي. المشكل ليس ما هو نظام التشغيل الذي يجب على الناس استخدامه على حواسيب سطح المكتب؟ ولكن كيف يجب على الناس استخدام التطبيقات؟ هناك إجابات على هذا السؤال لا تتضمن حتى حواسيب سطح المكتب.

يعتقد الجميع أن جوجل ستحل هذا المشكل، لكنه مشكل دقيق للغاية، بحيث قد تخطئ فيه شركة كبيرة مثل جوجل. أعتقد أن هناك احتمال أفضل من 50% أن يأتي قاتل ويندوز - أو بشكل أدق، النظام الذي سيُعوّض ويندوز- من شركة ناشئة صغيرة.

هناك طريقة كلاسيكية أخرى لصنع شيء يريده الناس وهي أن تأخذ سلعةً فاخرة وتحولها إلى بضاعة عامة. يجب أن يحب الناس شيئًا ما إذا دفعوا الكثير مقابله. وهو منتج نادر للغاية لا يمكن جعله أرخص بشكل كبير إذا حاولت.

كانت هذه خطة هنري فورد. لقد حوّل السيارات، التي كانت شيئًا فاخرًا، إلى سلعة عامة. لكن الفكرة أقدم بكثير من هنري فورد. طواحين المياه حوّلت الطاقة الميكانيكية من ترف إلى سلعة، وكانت تُستخدم في الإمبراطورية الرومانية. يمكن القول أن الرعي حوّل الترف إلى سلعة.

عندما تصنع شيئًا أرخص، يمكنك بيع المزيد منه. لكن إذا قمت بعمل شيء أرخص بكثير، فغالبًا ما تحصل على تغييرات نوعية، لأن الناس يبدؤون في استخدامه بطرق مختلفة. على سبيل المثال، بمجرد أن تصبح الحواسيب رخيصة للغاية، بحيث يمكن لمعظم الناس امتلاك حاسوب خاص بهم، فيمكنك استخدامها كأجهزة اتصال.

لجعل شيء أرخص بشكل كبير عليك في كثير من الأحيان إعادة تعريف المشكل. لا يحتوي الطراز تي T [من شركة فورد] على جميع الميزات التي كانت موجودة في السيارات السابقة. على سبيل المثال، لقد جاء باللون الأسود فقط. لكنه حل المشكل التي يهتم به الناس أكثر، وهو التنقل من مكان إلى آخر.

واحدة من أكثر العادات العقلية المفيدة التي أعرف أني تعلمتها من مايكل رابين هي: أن أفضل طريقة لحل مشكل هي في كثير من الأحيان إعادة تعريفه. يستخدم الكثير من الناس هذه التقنية دون أن يدركوا ذلك، لكن رابين كان واضحًا للغاية. تحتاج إلى عدد أولي كبير؟ هذا غالي جدا. ماذا لو أعطيتك عددًا كبيرًا لديه فرصة 10 قوى ناقص 100 فقط أن لا يكون أوليًا؟ هل يكفي ذلك؟ حسنًا، ربما؛ أقصد أن هذا ربما أقل من احتمال أن أتكلم من فراغ.

تعتبر إعادة تعريف المشكل مُثيرة بشكل خاص عندما يكون لديك منافسين، لأنه من الصعب جدًا على الأشخاص ذوي التفكير الصارم اتباعك. يمكنك العمل أمام أعينهم ولا يدركون الخطر. لا تقلق بشأننا. نحن نعمل فقط على البحث. افعل شيئًا واحدًا وافعله جيدًا، هذا شعارنا.

إن جعل الأشياء أرخص هو في الواقع مجموعة فرعية من أسلوب أكثر عمومية: جعل الأمور أسهل. لفترة طويلة كان الأمر أسهل في جعل الأمور أسهل، ولكن الآن بعد أن أصبحت الأشياء التي نبنيها معقدة للغاية، فهناك مجموعة فرعية أخرى سريعة النمو: تسهيل استخدام الأشياء.

هذا مجال يوجد فيه مجال كبير للتحسين. ما ينبغي أن تكون قادرًا على قوله عن التكنولوجيا هو: إنها تعمل فقط. كم مرة تقول ذلك الآن؟

البساطة تتطلب مجهودا، بل وعبقرية. يبدو كأن المبرمج المتوسط ينتج تصميمات واجهة سيئة للغاية عمدًا. كنت أحاول استخدام الفرن في منزل أمي قبل أسبوعين. لقد كان جديدًا، فيه بدل المقابض أزرار وشاشة أل إي دي LED. حاولت الضغط على بعض الأزرار التي اعتقدت أنها سترفع درجة الحرارة. هل تعرف ما قاله؟ "Err". ولا حتى "Error" [خطأ]. هكذا "Err". لا يمكنك فقط قول "خطأ" لمستخدم فرن. يجب عليك تصميم واجهة المستخدم بحيث تكون الأخطاء مستحيلة. كان لدى الحمقى الذين صمموا هذا الفرن مثالًا على واجهة مستخدم عملية لتقليدها: الفرن القديم. تحتاج مقبضًا واحدًا لضبط درجة الحرارة وآخر لضبط الوقت. ما هو الخطأ في ذلك؟ إنها واجهة كانت تعمل.

يبدو أنه بالنسبة للمهندس المتوسط، فإن المزيد من الخيارات تعني فقط المزيد من الحبال لشنق نفسك. لذا، إذا كنت ترغب في بدء شركة ناشئة، يمكنك أن تأخذ تقريبًا أي تقنية حالية تنتجها شركة كبيرة، وتفترض أنه يمكنك بناء شيء أسهل منها في الاستخدام.

صمم للخروج

النجاح بالنسبة لشركة ناشئة يساوي تقريبا بيعها. تحتاج إلى نوع من استراتيجية للخروج، لأنه لا يمكنك إقناع أذكى الأشخاص بالعمل لك دون منحهم أسهم من المُرجّح أن تصير ذات قيمة ما. وهذا يعني أنه يجب عليك إما أن تبيع شركتك الناشئة أو أن تفتحها للاكتتاب العام. لكن عدد الشركات الناشئة التي يتم طرحها للجمهور صغير جدًا.

إذا كان النجاح يعني على الأرجح بيع الشركة، فهل يجب أن تجعل هذا الهدف واعياً؟ كان الجواب القديم لا: كان من المفترض أن تدّعي أنك تريد إنشاء شركة عملاقة وعامة، وتُفاجأ عندما يقدم لك أحدهم عرضًا. حقًا، تريد أن تشتري شركتنا؟ حسنًا، سننظر في الأمر، إذا عُرض علينا السعر المناسب.

أعتقد أن الأمور تتغير. إذا كان النجاح يعني البيع في 98% من الوقت، فلماذا لا نكون صريحين حوله؟ إذا كنت في 98% من الوقت تقوم بتطوير منتج وفقًا لمواصفات بعض الشركات الكبيرة، فلماذا لا تفكر في ذلك كمُهمتك؟ تتمثل إحدى ميزات هذه الطريقة في أنها مصدر آخر للأفكار: ألق نظرة على الشركات الكبرى، وفكر فيما ينبغي أن تفعله، وقم بذلك بنفسك. حتى لو كانوا يعرفون ذلك بالفعل، فمن المحتمل أن تعرف ذلك بشكل أسرع.

فقط تأكد من عمل شيء يريده المستحوذون. لا تقم بإصلاح نظام ويندوز، لأن مايكروسوفت هي المستحوذ المحتمل الوحيد، وعندما لا يكون هناك سوى مستحوذ واحد، فلا يتعين عليه الإسراع نحوك. يمكنه أخذ وقته ونسخك بدلاً من شرائك. إذا كنت ترغب في الحصول على سعر السوق، اعمل على شيء يوجد فيه منافسة.

إذا تم خلق عدد متزايد من الشركات الناشئة لتطوير منتجات حسب المواصفات، فسيكون ذلك موازنة طبيعية للاحتكار. بمجرد أن يتم احتجاز نوع من التكنولوجيا من خلال الاحتكار، فإنها لن تتطور إلا بوتيرة الشركات الكبيرة بدلاً من وتيرة الشركات الناشئة، بينما ستتطور البدائل بسرعة خاصة. السوق الحر يعتبر الاحتكار عقبة ويبحث عن طرق أخرى من حولها.

طريق ووز Woz

الطريقة الأكثر إنتاجية لتوليد أفكار الشركات الناشئة هي أيضًا الطريقة الأكثر غرابة: إنّها الصدفة. إذا نظرت إلى كيفية بدء الشركات الناشئة الشهيرة، فليس من المفترض أن يكون الكثير منها في البداية شركات ناشئة. بدأت لوتس Lotus مع برنامج كتبه ميتش كابور Mitch Kapor لصديق. وبدأت شركة آبل Apple لأن ستيف ووزنياك Steve Wozniak [المُلقب اختصارًا ووز] أراد بناء أجهزة كمبيوتر صغيرة، ولم يسمح له صاحب العمل، شركة هيولت-باكارد Hewlett-Packard، بالقيام بذلك في العمل. بدأت ياهو Yahoo كمجموعة من الروابط الشخصية لدافيد فيلو David Filo.

ليست هذه هي الطريقة الوحيدة لبدء الشركات الناشئة. يمكنك الجلوس والتوصل إلى فكرة عن شركة ما؛ نحن فعلنا هذا. ولكن إذا تم قياسها من حيث القيمة السوقية الإجمالية، فقد يكون نموذج "بناء شيء لنفسك" أكثر فائدة. من المؤكد أنه الطريقة الأكثر متعة للوصول إلى أفكار للشركات الناشئة. ونظرًا لأن الشركة الناشئة يجب أن يكون لها العديد من المؤسسين الذين كانوا بالفعل أصدقاء قبل أن يُقرّروا بدء شركة، فإن الاستنتاج المثير للدهشة هو أن أفضل طريقة لتوليد أفكار الشركات الناشئة هي أن تفعل ما يفعله الهاكرز للتسلية: طبخ برامج مُسليّة مع أصدقائك .

يبدو أنها قاعدة تنتهك قانون الحفظ، ولكن ها هي: أفضل طريقة للحصول على "فكرة بمليون دولار" هي فقط القيام بما يستمتع به الهاكرز على أي حال.

ملاحظات

[1] قد تكون هذه الظاهرة سببًا في عدد من التناقضات التي تُحسب حاليًا على أمور مختلفة أخرى ممنوعة. لا تنسب إلى الخبث ما يمكن تفسيره بالرياضيات.

[2] هناك الكثير من التعبيرية التجريدية الكلاسيكية التي تثير الخربشات من هذا النوع: فنانون مدربون على الرسم من الحياة باستخدام نفس الإيماءات ولكن دون استخدامها لتمثيل أي شيء. هذا ما يفسر لماذا هذه اللوحات هي أكثر (بقليل) إثارة للاهتمام من الرسومات العشوائية.

[3] قام بيل يرزونيسBill Yerazunis بحل المشكلة، لكنه وصل إلى الحل عبر مسار آخر. لقد طور مُصنف ملفات للأغراض العامة جيدًا لدرجة أنه عمل أيضًا مع الرسائل المُزعجة.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كيف تبدأ شركة ناشئة؟

كيف تحصل على أفكار لشركة ناشئة؟

كيف تُموّل شركة ناشئة؟