لينكس نظام مجتمع حر

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

لا ينكر أحد أن لينكس، كغيره من البرمجيات المفتوحة، هو نظام مجتمع وليس نظام فرد.

لينكس نظام مجتمع لأنه برنامج يشارك في كتابته أكثر من ألف مطور عبر المعمورة بكل حرية.

لينكس نظام مجتمع لأنه مشروع ترعاه مؤسسة رسمية غير ربحية مدعومة من عشرات الشركات الكبيرة. هذه المؤسسة تسهر على تطوير النظام من خلال الدعاية له و توثيقه و اعتماد معاييره بجودة صناعية و تنظيم مؤتمرات حوله و دفع رواتب عدد من مطوريه الأساسيين و على رأسهم لينوس تورفالدز.

لينكس ليس نظام فرد لإنه ليس ملكا للينوس تورفالدز وحده بل كل سطر فيه يبقى ملكا للمطور الذي حرره. 

لينكس ليس نظام فرد لأنه لا أحد من البشر يستطيع متابعة كل صغيرة وكبيرة في ملايين السطور التي يتألف منها.

لينكس ليس نظام فرد لإن دور "الزعيم" فيه يقتصر على رفض أو قبول الترقعيات الجديدة بعد التنسيق المباشر مع عدد محدود من المطورين "الملازمين". كل واحد منهم يشرف على جزء مهم من النظام و يتعاون بدوره مع صف ثاني من المطورين المختصين، وهكذا دوايلك ينتظم المساهمون في برمجة لينكس في بنية هرمية تحترم الكفاءات و تتوزع فيها المسؤولية على الجميع.

لا ينكر أحد أيضا أن لينكس، كغيره من التقنيات الحديثة، هو نظام تشغيل وُلد و ترعرع و بلغ أشده في الغرب. حتى و إن صار نظاما عالميا يُساهم في تطويره شتى الأجناس إلا أن أغلبهم حتى الساعة من الغرب.

إذا كان هذا واضحا، فما يهمني من هذا المقال هو أن يعي القارئ العربي، مستخدما كان أو مطورا، أن للبيئة دورا مهما في انتشار و تطور لينكس. كلنا نردد المثل الشهير "المرء ابن بيئته" لكن هل فهمناه حقا و هل عرفنا أنه ينطبق تماما على البرمجيات الحرة و المفتوحة. في رأيي لازلنا بعيدين عن هذا و إليكم الدليل.

في الغرب لا أكاد أجد أحدا قلقا على مصير لينكس في حال توقف مطوره الرئيسي عن العمل عليه لسبب أو لآخر. بينما سبق لي أن قرأت انشغالات عربية تتكهن بمصير أسود للينكس إذا اختفى لينوس تورفالدز! يا ترى لماذا هذا الاختلاف بيننا و بينهم؟ هذا السؤال لا علاقة له بالتقنية بل هو وليد البيئة أو المجتمع. 

الغرب تعوّد على العمل الجماعي الحر الذي يقوم على المؤسسات و ليس الأفراد. لذلك إذا زال الفرد تبقى المؤسسة و تبقى الأولوية فيها للكفاءة و لهذا يبقى العمل و التطور متواصلا رغم تبدل الأفراد. بينما أكثرنا في بلاد العرب لا يعرف سوى دولة الفرد، الزعيم، المخلص، الملهم، الذي تسلق على جماجم الناس و الذي لا يريد أن يريهم إلا ما يرى. فإذا قُلع أو غيبه الموت صرنا في حيص بيص و توقفت الحياة ثم دخلنا في دوامة إعادة بناء كل شيء لأن الزعيم الجديد لا يختلف عن سابقه إلا في نقضه لكل ما قدمه الأول حتى و إن كان مفيدا. طبعا المشكلة ليست فقط في الزعيم لأن كل فرد في مجتمعنا هو نسخة مصغرة منه (إلا من رحم الله) و كما قيل كما تكونوا يُوّلى عليكم.  لكني أرجوا أن ريح الحرية التي تهب علينا هذه الأيام ستأتي معها بحل لهذا المشكل.

أكيد، ليس هذا الاختلاف الوحيد بيننا و بين الغرب الذي يؤثر سلبا على نجاحنا في استعمال و تطوير البرمجيات الحرة بل هناك أمور أخرى أتمنى تناولها مستقبلا بعون الله.

دمتم أحرارا و دام لينكس حرا.

تعليقات

  1. هذه هي فلسفة العرب يادكتور جلال، الإرتباط بالشخص وليس الفكرة !
    هناك مشاريع عربية كثيرة توقفت أو زالت أوشلت حرتها بمجرد ان صاحبها غير مجرى حاته أو شيء من هذا القبيل.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كيف تبدأ شركة ناشئة؟

كيف تحصل على أفكار لشركة ناشئة؟

دليل الطالب للشركات الناشئة